وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين
تحرص الشريعة الإسلامية على حمل الناس على طاعة
أوامرها ونواهيها طاعة اختيارية، تنبعث من أعماق النفس، وتعتمد في تحقيق هذه
الطاعة على تنبيه وإيقاظ الشعور الإيماني في النفوس، وتذكير الناس باليوم الآخر
وما فيه من الجزاء والحساب، مع بيان ما في هذه الأوامر والنواهي من خير ومصلحة
للناس في الدنيا والآخرة.
لكن هذا لا يكفي لحمل الناس
على هذه الطاعة، وذلك لأن الناس ليسوا متساوين في يقظة الضمير الديني والإنساني،
وتحقق الإيمان واستحضار اليوم الآخر وخشيته .وغلبة نوازع الشر والهوى وحب المنافع، ولو كان ذلك على حساب الآخرين .
وانطلاقاً من هذا الاعتبار فإن العقوبات التي توقعها الدولة
على الذنوب والجرائم هي السبيل الملزم لتنفيذ أوامر الله ونواهيه.
فللعقوبة في الإسلام أغراض نذكر منها:
1) تحقيق العدالة: فحياة الإنسان، وممتلكاته، وعرضه من الأمور
الواجبة الاحترام،وبالتالي فليس من العدل
في شيء ترك الإنسان الذي يتعرض لهذه الأمور دون أن يطاله شيء.
2) تحقيق الردع: والردع هنا على نحوين:
أـ الردع العام: بإنذار الجماعة بشرها إذا ما ارتكب أحد أفرادها
فعلاً يعد جريمة، أو بمثل العقوبة التي تصدر ضد الجاني إذا ارتكب فعلاً مجرماً
وتثبت مسؤوليته، فوظيفة العقوبة هنا تهديدية.
ب ـ الردع الخاص: أما وظيفة الردع الخاص فيما يتركه ألم العقوبة من
أثر نفسي في المحكوم عليه يحول بينه وبين العودة إلى الإجرام مرة ثانية.
3) إصلاح الجاني: فالعقوبة إنما قررت لإصلاح الجاني لا للانتقام من
الجاني والتشفي منه، فالمجرم إذا شعر بالألم وأحس به فإنه سيشعر حتماً بمقدار ما
تسبب به للآخرين من الألم مما يولّد حالة صحوة الضمير في نفسه ذلك الذي يدفعه إلى
تأنيبها مما يؤدي بالنتيجة إلى الإقلاع عن الأعمال الإجرامية.
ولنأخذ إشهاد طائفة من المؤمنين لجلد الزانية
والزاني كمثال على ذلك، قال تعالى: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مِائَةَ جَلْدَةٍ.. وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " [النور: 2] فلماذا اشترطت الآية
الكريمة لكمال تطبيق الحد أن يشهد عليه عدد من المؤمنين؟ ولماذا لم تقل: "
طائفة من الناس"؟
الغاية من شهود المؤمنين لتنفيذ الحد هي:
1. يشهدون للحاكم أمام الله تعالى ثم أمام الناس
أنه يحكم بما أنزل الله تعالى.
2. يراقبون الجالد فلا يزيد في الضرب عن العدد
المحدد (مائة جلدة) ولا ينقص منه، ولا يزيد من شدة الضرب عن الحد المعقول، ولا
يتهاون في الجلد.
3. فيه عذاب نفسي للمجلود أشد من الأذى البدني
حيث يرى جلده أعيان البلد وفضلاؤهم، وهذا لا يتحقق إن تم جلد الفسقة أمام بعضهم
بعضاً، وبهذا يجزم أن لا يعود لمثله مرة أخرى.
4. حين يعود الشهود إلى بيوتهم ويخبرون أهاليهم
بما رأوا يتحقق الهدف الرئيس للعقوبة في الإسلام وهو الردع.
5. قد تصدر أصوات أو حركات أو انكشاف للعورات،
والشهود المؤمنون يحفظون السر.
6. هنالك فائدة جميلة جداً ذكرها ابن تيمية وهي:
أن المؤمنين الذين يشهدون تنفيذ الحد يستغفرون للمجلود، ويسألون الله سبحانه وتعالى أن يرزقه الصبر وأن يخفف عنه.
تلك هي فلسفة العقوبة في الإسلام، وسبحان من شريعته الإسلام الحنيف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق